المنهج
التعلم ليس جمع المعارف بل بحث في مناهجها بإدراك كيفيات انبنائها وطرائق تركيبها . وفرق بين من يروي أشكالا ورسوما ومن يستنبط ويخترع أحكاما وقواعدا ، فالعالم ليس الذي يحمل في رأسه خزائن ومكتبات ، ولكنه الذي يعرف كيف يوظف ما في رأسه ، وما في الخزائن والمكتبات، من أجل الإضافة.
ولعل من أصعب الأزمات التي تعاني منها الكثير، هي غياب العقل المنهجي ،. إن الارتجال ، والتلقائية غير الواعية يوقع صاحبه فى كثير من الأخطاء
إن طبيعة الإشكال هي التي تحدد المنهج المتبع في الدراسة ، ، وعليه كان من أوجب الواجبات ، إستحضار الضابط المنهجي في أي عملية إختيار لمشكلة البحث
فما المنهج إذن ؟ أما في معاجم اللغة ، فالنهج والمنهج والمناهج :
الطريق الواضح . ونهج الطريق ، أنهج واستنهج وضح . وكذا نهج الطريق وأنهجه : أبانه وأوضحه . ونهجه : سلكه .
أما في الاصطلاح العلمي فهو باختصار : نسق من القواعد ، والضوابط التي
تُركب البحث العلمي و تُنظمه . ويُعرف الدكتور عبد الرحمان بدوي المنهج بأنه " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل ، وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة ".
إن الباحث المسلم هو أولى الناس بإنهاج عمله العلمي ، خاصة وأن المذهبية الإسلامية إنما تُقدم للناس منهاج حياة . " فالإنهاج الحضاري " هو وظيفة
الرسالة الربانية للبشرية ، وهو يتضمن فيما يتضمن ، إنهاج التفكير ، وإنهاج البحث ، وإنهاج العمل . وثمة آيات كثيرة تشير إلى هذا المعنى الكلي لرسالة الإسلام ، منها قوله تعالى " أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ، أمن يمشي سويا على صراط مستقيم ".
فالإسلام إذن صراط مستقيم ، ونور يمشي به المؤمن بين الناس ، إنه منهج ، ذلك أن المؤمن في الحياة يمشي سويا علـى صراط مستقيم ، مسترشدا بنور الهداية ، وعن يمينه وشماله ظلمات ، ضل بها أقوام فهم يخبطون على غير هدى .
إن المنهجية في البحث العلمي إذن ، ليست ضرورة تقنية فحسب ، ولكنها ضرورة إيمانية أيضا !.
إن عليك أن تعلم ماذا ستصنع في دراسة إشكالك المختار ، قبل أن تشرع فيها :
هل سَتُحَقِّق ؟ هل ستصف ؟ هل ستُحصي وتستقرئ ؟ أم هل ستُحلل وتُعلل ؟ أم أنك ستؤرخ ؟ أم ستصنع بعض هذا وذاك ؟
إن الجواب عن هذه الأسئلة يعني : استحضار الضابط المنهجي في اختيار إشكال البحث ، ولذلك وجب على المدرس الباحث ، أن يكون عالما بمناهج البحث العلمي .