عند مفتتح الحديث عن الأدب والنقد، لا أستطيع أن أخفي ذلك الشعور بالحيرة المثقلة بالأسى؛ فحال الأدب العربي والنقد انعكاس لحال الأمة، وقد أرهقه المنظرون والمؤرخون والمفكرون نزاعاً، ودمغه كلٌّ بطابعه شرقياً كان أو غربياً، فثارت عليه ثورات قدح شرارتها الشيخ الجليل محمد عبده – رحمه الله – حوالي سنة 1891م عندما ثار خلاف بينه وبين علماء الأزهر فطعن في الكتب التي تدرس فيه وعلى رأسها كتب البلاغة( ).
ثم جاء الأستاذ طه حسين – رحمه الله – بنظريته التي ماتت في مهدها. وكذلك جاءت جماعة الديوان (العقاد،شكري، المازني) – رحمهم الله جميعاً – الذين أقاموا الدنيا وأقعدوها على أصحاب الإحياء المحافظين أمثال شوقي، وحافظ، وأمثالهم، ولحسن الحظ أن ديوانهم انفض في مبتداه، وهكذا جرت عادتنا في عصر الانحطاط والرداءة ، نكتفي برجع الصدى الذي عادة ما نتأخر في استيعابه، ربما بسبب داء الذهول المزمن الذي اعترانا إثر صفعات التاريخ المتلاحقة. فكلما لفظ الآخرون بعضاً مما اهترأ على محك الواقع تلقاه بألسنتهم من اتخذ من الطرافة بؤرة للأضواء.
وما راعني حقاً ، أن أدرس الأدب العربي في المدرسة بمصطلحات غربية ، يونانية. فإذا بنا ندرس أن البارودي كان كلاسيكياً، وكذلك الزبيري، وأن المازني كان رومانسياً! وما كان البارودي ولا الزبيري كلاسيكياً ولا رومانسياً. فهل وصل بنا الاستسلام والتبعية والانبهار إلى درجة اختلاس نقد الآخرين ومصطلحاتهم ونُلبِس أدبنا فلسفاتهم ومدارسهم، نحن الذين جعلنا للكلمة معرضاً، تعرض فيه إبداعات القرائح وعبقرية البيان. فعلقناها على أستار الكعبة، وعلى هامة التاريخ. ألسنا أمة البيان، رسالتها كلام الله تعالى، أنزل على من أوتي جوامع الكلم.
وكفى به آية لقوم يفقهون.