الصحيفة
الوثيقة الدستورية المكتوبة المعروفة بالصحيفة والتي حملت تعاقد أسس لدولة المدينة بين مختلف مكوناتها العرقية الاثنية والدينية لم ينقص أىُّ منها من إعتباره طرفا في ذلك التعاقد الذي أسس لمجتمع تعددي، ما ألقى بظلا سماحته واعترافه بالإختلاف على جملة تاريخ الإسلام الذي برُئ من حروب الإبادة الدينية والعرقية. ومفهوم البيعة ذاته رغم ما عراه من إنحراف وإفراغ من مضمون التعاقد مُثّل في تجربة الخلافة الراشدة أساس الحكم والشرعية، في زمن كانت فيه الفكرة غريبة، ولذلك سرعان ما أفرغت لصالح النماذج الأمبراطورية السائدة ولكن ظل شكلها يذكّر بأن التعاقد أساس الشرعية، إلى مفاهيم أخرى مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أبقي على مشروعية الثورة على الظالم وحال دونه وبين التدثير بجلالة الالوهية شأن نظيره في العالم يومئذ. ومن مثل مبدأ الإباحة الأصلية أي أن الحرية هي الأصل.. تاريخنا الإسلامي السياسي ابتدأ بدولة المدينة - وهي دولة لكل مواطنيها على اختلاف أجناسهم ومللهم، ولقد تولى دستور المدينة المعروف بالصحيفة - وهو أول دستور في التاريخ مكتوب - تنظيم الحقوق والواجبات في ذلك المجتمع التعددي، من دون أي منزع لإقصاء أي مجموعة حاضرة في ذلك المجتمع من حقوق المواطنة. وبعد أن عددت الصحيفة تلك المجموعات بأسمائها نصت على حقوقهم وواجباتهم واعتبرتهم باللفظ "أمة واحدة من دون الناس" ولقد تميز ذلك المجتمع عن نموذج - الدولة - الأمة أنه مفتوح للدخول فيه من أي مجموعة اختارت الالتحاق به