التّشريع في القرآن: منهجية القرآن فى التنزيل
ما هي الشريعة الإسلامية؟
الشريعة الإسلامية : هي جملة الأوامر الإلهية ، التي تنظم حياة المسلم فى علاقته بربّه (العبادات)وعلاقته ببنى جنسه (المعاملات)
ما معنى التشريع؟
التشريع هو مجموعة القواعد العامة التي تصدر عن السلطة التشريعية لتنظم العلاقات بين الناس وهو اجتهاد بشري فيطرح عدّة اشكالات منها عند وضع التشريع قد يكون مقصد المشرع غير واضح أو غير دقيق فيكون قابلا للتأويل وذلك قد يؤدي الى خلاف في الرأي فيثير اشكالا قانونيا
ماهي أسس التشريع الاسلامي؟
تقوم منظومة التشريع الاسلامى على الكتاب والسنة بوصفهما المصدرين الأساسيين وعلى مناهج فرعية.
حدّد الاسلام المرجعية جاء فى القرآن الكريم:
﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾
﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾
وغيرها من الآيات الصريحة المجملة والمفصلة التي جاءت لتؤكد حقيقة أن التشريع الإسلامي ينبغي أن يتمحور ضمن إطار المرجعية المتمثلة في الكتاب والسنة وولي الأمر (طاعة ولي الامر تكون بالاجتهاد ضمن إطار النّص لأنه لا اجتهاد من خارج النص)
1- التّشريع بالقرآن:
وردت مسألة التشريع فى القرآن فى عدّت أيات نذكر منها
قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. )المائدة 48(
يقول الطاهر بن عاشور: أشارت الآية إلى حالتين للقرآن بالنّسبة لما قبله من الكتب ، فهو مؤيّد لبعض ما في الشّرائع مُقرّر له ... وهو أيضاً مبطل لبعض ما في الشّرائع السالفة وناسخ لأحكام كثيرة من كلّ ما كانت مصالحه جزئيّة مؤقّتة مراعى فيها أحوال أقوام خاصّة .
وقال تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ . (الشورى 13)
يقول الطاهر بن عاشور: معنى شرع أوضح وبيّن لكم مسالك ما كلفكم به. وأصل شَرَعَ جعل طريقاً واسعة وكثُر إطلاقه على سنّ القوانين والأديان فسُمّي الدّين شريعة .
وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( الشورى21 )
شرعوا لهم أي ديناً لم يأذن به الله ( ينظر التحرير و التنوير)
وقال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (التوبة31)
ومعنى اتّخاذهم هؤلاء أرباباً أنّ اليهود ادّعوا لبعضهم بنوةَ الله تعالى وذلك تأليه ، وأنّ النصارى كانوا يسجدون لصور عظماء ملّتهم مثل صورة مريم ، وصور الحواريين ، وصورة يحيى بن زكرياء ، والسجود من شعار الربوبية ، وكانوا يستنصرون بهم في حروبهم ولا يستنصرون بالله . و كانوا يأخذون بأقْوال أحبارهم ورهبانهم المخالفة لما هو معلوم بالضرورة أنّه من الدّين، فكانوا يعتقدون أنّ أحبارهم ورهبانهم يحلّلون ما حرم الله ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلّم لعدي بنَ حاتم لمّا وفد عليه قُبيل إسلامه لما سمع قوله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله } وقال عدي : لسنا نعبدهم فقال : «أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمونه ويحلّون ما حرّم الله فتستحلّونه فقلت : بلى قال : فتلك عبادتهم» فحصل من مجموع أقوال اليهود والنصارى أنّهم جعلوا لبعض أحبارهم ورهبانهم مرتبة الربوبية بالتشريع.
وقال تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُون إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (الجاثية 18و19) جَعَلْنَاكَ على طريقة ومنهاج من أمر الدين
إذن أمر التشريع فى القرآن واضح لا جدال فيه
منهجية القرآن فى التنزيل:
وضع الخطوط العامة:
القرآن في تشريعاته لا يتحدث عن تفاصيل الأحكام وفروع المسائل بمقدار ما يتحدث عن الأصول والقواعد العامة، فعدد آيات القرآن 6236 آيات التشريع فى حدود 330 آية كثير منها وضعت فلسفة التشريع فجاءت عامة مثل : وما أرسلناك الا رحمة للعالمين (فكان دين الرحمة) وقوله: انّ الله يأمر بالعدل والاحسان (فكان دين العدل و المساواة والحرية...
وبعضها فصّل فى جوانب كالاحوال الشخصية (أحكام الأسرة) والعقوبات(بعض الحدود فقط ) و الاقتصاد ( بعض القواعد كتحريم الربا , التطفيف فى الميزان...).
التنجيم
عدد من الآيات القرآنية نزلت منجمة (حسب الوقائع والأحداث المختلفة) فتعدّدت فى القرآن كلمة يسألونك
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾
﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ﴾
﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾
﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ﴾
التدرج فى التشريع:
لم ينزل القرآن دفعة واحدة بل امتدت الفترة نزوله ثلاثاً وعشرين سنة فالتشريع الإسلامي من خلال أحكامه إنما جاء لكي يلبِّي الحاجات الواقعية والموضوعية للمجتمع وبهذا تتجلى بوضوح صفة (الواقعية) و(المرونة) اللتان تتميز بهما الشريعة الإسلامية ( نذكر مثال تحريم الخمر)
النسخ:
- إذن التشريع الإسلامي يتفاعل مع كل الظروف فيستجيب لما يطرأ ويشرع ما يناسب من أحكام وإنّ هذه المنهجية القرآنية في بيان الأحكام ليست حالة أو مرحلة تاريخية اقتضتها الظروف الموضوعية للدعوة والرسالة بل هي منهجية أصيلة في التشريع نفسه الذي يراد له دائماً أن يكون مستجيباً لمتطلبات (الواقع) وحاجات (الزمان) المتجددين فعملية الاجتهاد ينبغي أن تتحرك ضمن إطار منهجية الأولويات في تناول المواضيع و حفظ منطق الأولويات من شأنه أن يجعل من الاجتهاد أكثر انسجاماً مع طبيعة التطوّر والتجدّد ومتطلبات الواقع ويعطى للتشريع الصلوحية عبر الزمان والمكان.( وهذا ما يغيب على كثير من الاسلاميين الذين يعيشون القطيعة مع الواقع ويعيشون فى التراث) يتبع