بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد الله رب العالمين،
قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ) [إبراهيم:18]. هذه صورة من جعل الدنيا هي الغاية،. و الآية شبهت عمله بالرماد(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ) [إبراهيم:18]. إن التشبيه هو للأعمال؛ فقد اتجه بعمله إلى الهباء، ، وأصبح عمله كما يصفه الله وهو خير واصف: (كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) [إبراهيم:18]. هذا الغافل عن ربه جد واجتهد وكد وكابد، وظن أنه لكده حاصد؛ لكنه خاب بذره الفاسد؛ لقد ضاع العمل والاجتهاد، وتلاشى الكد وخاب الحصاد، فها هو عمله الذي توقع فيه النجاح يتطاير كالرماد في يد الرياح. اشتدت به الريح فتمزق أشلاءً، وعصفت به الأيام فتفرق هباءً، فأنى يلقاه وكيف يقدر عليه؟! إنه لا يرجع إليه من الأعمال إلا الندم، ولم يكسب من جهده إلا العدم. ثم لنتأمل كلمة "رماد" فلماذا استعملت هي بالذات؟ ولماذا لم يقل الله "كترابٍ اشتدت به الريح" أو "كرملٍ اشتدت به الريح"؟. إن الرماد أشد تعبيراً عن خيبة الأمل وضياع العمل؛ ذلك أنه ميتٌ لا ينفع، ولا يزرع وهو مجتمِع، فكيف وقد اشتدت به الريح وعصفت، وفرقته في كل اتجاهٍ ومزقت!! إنه فراغٌ وخواءٌ، وخيبةٌ وهباءٌ (لاَ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ) [إبراهيم:18]. إن ما ظنه مكسوباً قد غاب، وما ظنه ربحاً قد خاب، ولم يجد من جهده إلا التباب، ولم يجن من كده إلا الندم والعذاب، ولم يمسك من سعيه إلا السراب؛ (ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ) [إبراهيم:18]. إن ما أنفقه من الجهود لا يعود، وإن ما أتلفه من الأيام عاد عليه بالتنكيد، وكيف لا وهو في ضلالٍ بعيد، بعيدٌ عن ربه ومن كان هذا حاله فكيف يربح أو يستفيد!! كلا، بل هو في شقاء، في الدنيا والأخرى، وفي حسرةٍ وخسارةٍ كبرى.