مقام العقل في الإسلام هو مكان عال وفريد، ولا نظير له في الشرائع السابقة، فهو في الإسلام هو مناط التكليف بكل فرائض وأحكام الدين. وبينما كانت معجزات الرسالات السابقة معجزات مادية، تدهش العقول، فتشلها عن التفكير والتعقل، جاء القرآن معجزة عقلية، تستنفر العقل كي يتعقل ويتفكر ويتدبر،
والعقل – في الإسلام – هو سبيل الإيمان بوجود اللَّـه ووحدانيته وصفاته، ، والعقل هو سيبل الإيمان بوجود اللَّـه، عن طريق تأمل وتدبر بديع نظام وانتظام هذه المصنوعات لكن العقل، مهما بلغ التعقل والمعرفة والحكمة، فهو ملكة من ملكات الإنسان، وكل ملكات الإنسان محدودة، أما معارف الغيب اللامحدودة فإن سبيل معرفتها هو النقل، أي الوحي.. وهكذا فإن الإسلام لا يعرف هذه الثنائية المتناقضة بين العقل والنقل، وصريح المعقول لا يمكن أن يتعارض مع صحيح المنقول، ولا معاندة بين الشرع والمنقول والحق المعقول. والعلاقة بين العقل والنقل علاقة تكامل وتآخي، فالنظر البرهاني لا يؤدي إلى مخالفة ما ورد به الشرع، لأن الحق لا يضاد الحق، بل يوافقه ويشهد له، فالحكمة هي صاحبة الشريعة، والباب مفتوح على مصراعيه أمام العقل في سائر ميادين عالم الشهادة، وهو سبيل الفقه والفهم والتكليف في الشرع والدين. لكن لابد من مؤازرة الشرع والنقل للعقل فيما لا يستقل العقل بإدراكه من أخبار عالم الغيب والحكم والعلل من وراء بعض أحكام العبادات في الدين. وإذا كانت البداهة والخبرة والبشرية والحكمة تقول: إن من مبادئ الدين والشرائع ما لا يستقل العقل بإدراك كنهه وحقيقة جوهره، فكيف يجوز لعاقل أن يدعو إلى تحكيم العقل وحده في كل أساسيات الدين؟! فليس هناك عاقل يحكم العقل فيما لا يستقل العقل بإدراكه من مبادئ الشرائع والمعجزات، وكنه وجوهر وحقائق المغيبات، وليس هناك عاقل يغفل أو يتغافل عن مكانة ودور العقل في دين الإسلام، وإدراك وظيفة العقل وميدان عمله وحدود قدراته، هو لب الاحترام للعقل، وليس فيه انتقاص من سلطانه، الذي تألق في دين الإسلام وفكر المسلمين.
"لقد حشد القرآن ما يقرب من خمسين آية في تحريك العقل البشري وانتشاله من وهدة التقليد والتبلد، كما حشد عشرات الآيات في إيقاظ الحواس من سمع وبصر ولمس، وعشرات أخرى في إيقاظ التفكير والتفقه فضلا عن آيات طلب البرهان والحجة والجدال بالتي هي أحسن . . بل أن القرآن أضاف حقيقة في غاية الأهمية هي أنه أطلق كلمة العلم على الدين قال تعالى"ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذن لمن الظالمين" سورة البقرة (145) وقال تعالى "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم سورة آل عمران (61) أي: الدين " ( )قال تعالى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب" سورة الزمر (9) وقال تعالى "وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" سورة النحل (12) وقال تعالى "وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير" سورة الملك (10) وقال تعالى "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" سورة آل عمران (190) وقال تعالى "يُؤتي الحكمة من يشاء ومن يُؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وما يذكر إلا أولو الألباب" سورة البقرة (269)، أن كلمة"علم" بتصريفاتها المختلفة قد وردت في القرآن أكثر من سبعمائة وخمسين آية" ،