المناهج
الإجماع
اختلف العلماء في الإجماع: فمن قائل هو إجماع الأمة أو إجماع العلماء، إلى قائل هو إجماع المجتهدين في عصر من العصور، إلى قائل هو إجماع أهل المدينة، وقيل هو إجماع الصحابة. وفي إمكانية حصول الإجماع بعد الصحابة كلام، وفي هذا نسب إلى الإمام أحمد رضي الله عنه: "من قال بالإجماع فهو كاذب".
وفي الخلاف حول الإجماع يقول الدكتور كامل موسى: "واشترط الظاهرية في الإجماع أن يكون ضمن الصحابة وإلا فلا، نظراً لما يرونه من أن قول أهل الحل والعقد لا يعتبر إلا في حق الصحابة، ولكونهم مشهورين محصورين لقلتهم في المدينة المنورة، وأما بعدهم فقد كثروا وانتشروا في البلاد المتباعدة ... واعتبار الإجماع عند الشيعة ليس لكونه إجماعاً، بلا لاشتماله على قول الإمام المعصوم، وقوله بانفراده حجة عندهم، والإجماع عند الخوارج هو إجماع الصحابة قبل حدوث الفرقة، وأما بعدها فالإجماع إجماع طائفتهم لا غير، لأن العبرة بقول المؤمنين ولا مؤمن عندهم إلا من كان على مذهبهم. وإجماع الصحابة حجة بلا خلاف عند من يعتد به. أما الإجماع فيما بعدهم فقد اختلف في إمكانية وجوده، فالظاهرية أنكروه وكذلك الإمام أحمد ..، وقال مالك: إجماع أهل المدينة يكفي لوحدهم، ولا عبرة لخلاف غيرهم، ولم يرَ الجمهور هذا، ".
القياس
هو من الأدلة المتفق عليها عند الجمهور، والقياس في اللغة التقدير، والتعريف هو: إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت. وأركانه أربعة، وهي: الفرع الذي يراد قياسه، والأصل الذي يقاس عليه، والحكم الشرعي الخاص بالأصل، والعلة المشتركة بين الأصل والفرع. ومثاله تحريم الإجارة عند أذان الجمعة قياساً على تحريم البيع عند الأذان نفسه لوجود العلة وهي الإلهاء عن صلاة الجمعة. وحكم الأصل وعلته مأخوذان من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعَوْا إلى ذكر الله وذروا البيع).
فالفرع هنا الإجارة والأصل هو البيع، والحكم الشرعي الخاص بالأصل والذي يجري تطبيقه على الفرع هو التحريم، أي تحريم البيع عند أذان الجمعة، والعلة هي الإلهاء عن صلاة الجمعة.
والقياس كأصل للتشريع مردود عند الظاهرية ، وقد ردّ ابن حزم القياس. ولم ينسب نفي القياس إلا إلى الظاهرية وإلى الشيعة الإمامية وإلى بعض المعتزلة.
والقياس حجة قطعية، ودليله واقعه. إذ إن الفرع المقيس وإن كان لا نص فيه، فإنّ هناك نصاً في أصله وهو المقيس عليه، وإذا كان حكم الأصل قد شرع لأجل علة معينة، فإن الفرع إن وُجِدَت فيه العلة نفسها، يلحقه نفسُ حكم الأصل، لأن الحكم في الأصل إنما شرع لأجل العلة، أما إذا ورد نص يبين حكم الفرع وإن وجدت العلة فإنه لا قياس حينئذ. فقد "اتفقت الأقوال على أنه لا رأي في موضع النص". أي لا قياس.
مناهج غير متفق عليها عند جمهور الفقهاء" ومما يذكر منها
1- مذهبالصحابي، 2- المصالح المرسلة، 3- الاستصحاب، 4- الاستحسان، 5- سدّ الذرائع، 6- شرع من قبلنا، 7- العرف. ويضيف البعض إلى السبعة المذكورة أعلاه ثلاثة مصادر أخرى: 8- إجماع أهل المدينة، 9- الأخذ بأقل ما قيل، 10- الاستقراء. ويذكر القرافي مصادر أخرى إضافة إلى هذه العشرة.
ويقول الإمام النبهاني: "وأما الأدلة التي ظُنَّ أنها دليل وليست بدليل، فهي ما وُجِدَ له دليل يدل على أنه حجة ولكنه دليل ظني أو غير منطبق على ما استدل به وأهمها أربعة هي: شرع من قبلنا، ومذهب الصحابي، والاستحسان، والمصالح المرسلة".
تعريف الاستصحاب
وهو ثبوت أمر في الزمان الثاني بناء على ثبوته في الزمان الأول- أنه منهج في الفهم والاستدلال وليس دليلاً، وهو يقتضيه العقل والنظر السليم، والآمدي لا يعدّ الاستصحاب مصدراً زائداً على الأربعة، ولا يحلقه بالأدلة الموهومة عنده، وهو يلحقه بالشرعيات التي تؤخذ بالظن. يقول: "... ما تحقق وجوده أو عدمه في حالة من الأحوال، فإنه يستلزم ظن بقائه، والظن حجة متبعة في الشرعيات".
أما سدّ الذرائع فلا يذكره الآمدي بين الأدلة المعتبرة ولا بين الأدلة الموهومة عنده. وسدّ الذرائع ليس أصلاً، ولكنه قاعدة تندرج تحت قاعدة كلية هي قاعدة مآلات الأفعال، وهذه القاعدة أو الأصل مع القواعد المندرجة تحتها مثل قاعدة سدّ الذرائع، وقاعدة الحيل وقاعدة مراعاة الخلاف وغيرها إنما مرجعها إلى أن الشريعة إنما جاءت لجلب المصالح ودرء المفاسد. وقاعدة سدّ الذرائع معتبرة عند الشاطبي.
أما الاستقراء فهو ليس دليلاً وإنما هو منهج في المعرفة والاستكشاف يقوم استقصاء الأشياء ذات الجنس الواحد أو التي تتمتع بصفات مشتركة وهو منهج في الفهم صحيح عموماً وليس خاصاً في الشرعيات، والحكم على صحته أو عدم صحته راجع إلى العقل وهو من الأبحاث المنطقية أو الرياضية.
أما الأخذ أقل ما قيل فهو أيضاً ليس دليلاً أو مصدراً للتشريع، وإنما هو بحث في مناط الأحكام، أي إن الحكم متعلق بهذا المقدار أو بما هو أكبر منه أو أصغر، فهذه المقادير هي مُتَعَلَّق الحكم أي مناطه، وهو إن صح فإنما يكون حكماً شرعياً وليس أصلاً. وهو قد يُعدّ في الترجيح.
أما العرف فقد اعتبره بعض المجتهدين وَرَدَّه آخرون، وتتبع الأقوال في العرف يدل على أنه لا ينهض له دليل. وما عُدَّ عند البعض أدلة على العرف إنما هو من قبيل الاصطلاح كاللغات والاصطلاحات الخاصة أو من قبيل التقدير، كتقدير الأجور أو المهور، أما العرف وهو العادة المنتشرة بين جماعة معينة، أو ما يتكرر من أعمال فيصبح عرفاً، فانتشاره أو الاعتياد عليه ليس دليلاً ولا يجعله شرعياً، وإنما هو يخضع لدلالة الشرع لمعرفة جوازه أو حرمته بالدليل التفصيلي لكل عمل.
أما القول بإجماع أهل المدينة، فهو منسوب إلى المالكية، وهو عند الإمام مالك رحمه الله عمل أهل المدينة. وقد ردّه الجمهور. والقول به في عصر مالك وجيه جداً، إذ عصره عصر التابعين، والمدينة مَجْمَعُ العلم والعلماء، وشمسُ الإسلام ومشعُّ نوره، فالعقل يقضي أن يكون اتفاق أهل المدينة في أمر من الأمور استمراراً لما كان سائداً في عصر الصحابة رضوان الله عليهم وفي عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. إلا أن هذا القول ليس قطعياً من جهة، ولا يمكن القول باستمراره في كل عصر لاحق. ولذلك فهو ليس دليلاً.
أما مذهب الصحابي فقد قال به الإمام أحمد بن حنبل، والجمهور على أنه ليس دليلاً. وهو يجوز الأخذ به من باب التقليد، وليس من باب حجيته كدليل، إذ الحجة في ما جاء به الوحي. والحجة قائمة في قول الصحابة إذا أجمعوا. أما الواحد أو الاثنان أو الأكثر، فليس قولهم أو فعلهم دليلاً.
وشرع من قبلنا كذلك اختلف فيه، فقال البعض: شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ. وقال غيرهم إن الشرائع السابقة كلها منسوخة بالجملة، وهو الصواب والله أعلم. قال تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً).
والاستحسان نُسب العمل به إلى أبي حنيفة والإمام أحمد رضي الله عنهما، وذلك بناءً على ما في مذهبيهما من الفروع. وقد رده الشافعي في كتاب إبطال الاستحسان. ورده الآمدي في الإحكام، والغزالي في المستصفى. واشتهر عن الشافعي قوله: "من استحسن فقد شرع" وقد عُدّ الاستحسان عند من ردوه قولاً بالتشهّي والهوى. والأقوال في تعريفه مختلفة، وتجعل معانيه مختلفة.