التأمل والتفكر والتعقل
إن كل ما توصلت إليه الدراسات العلمية بخصوص الجمل خلال السنين الأخيرة قليل من كثير؛ حيث ما زال يخفي العديد من الأسرار التي ربما ستنكشف مع الأيام. ولقد ورد في القرآن الكريم ما يقرب من 360 آية تثير في الإنسان دواعي التأمل والتفكر والتعقل، حتى إن علماء الكلام صاغوا قاعدتهم المشهورة: (إن أول الواجبات الدينية المفروضة على المسلم النظر) أول آية نزلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) والقراءة هنا ليست فقط قراءة نطق بالكلمات والمفردات والجمل، وإنما أيضًا قراءة تفكر وتبصر وفهم لهذا الكون ومحتوياته، وذلك لغرض اكتشاف ما يكتنفه من أسرار وآيات فالخطاب القرآني يعمل أولاً على تحريك فطرة الإنسان لاكتساب المعرفة، وثانيًا على استخدام ما لديه من قدرات (العقل) بغية الوصول إلى الحقيقة: وهي أن وراء هذا الكون العظيم المتناسق خالق بديع مقتدر وهو الله ـ سبحانه وتعالى. إذن الغاية هي معرفة الله بآثار صنعه، واستشعار عظمته وقوته بمشاهدة الإخلاص في عبادته، امتثالاً لقوله ـ عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات
لذا فقد أشاد الوحي السماوي من القرآن والسنة بالعلم وأهله؛ لأن العارفين العاملين هم أكبر درجة وأرفعها عند الله، وخشيتهم لله لا تعدلها أية خشية؛ باعتبار ما يهديهم إليه علمهم بقول ـ عز من قائل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَآؤُ) فاطر
فالعلم سبيل إلى الإيمان الكامل الصحيح، والذي يقود صاحبه إلى التقوى. فلا عجب أن نجد أن الله قارن بين العبادة وذكر الله من جهة، والتفكير والتدبر من جهة أخرى، مثل قوله ـ سبحانه وتعالى: (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِى الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النار(ّ آل عمران